الاثنين، 4 مايو 2015

السمقونية الجنوبية الخامسة

منذ 17 سنة غادرنا الشاعر  الكبير نزار قبانى 
بقلم: إبن الجنوب

(إعادة)صدر بتاريخ2010/04/27 على موفع 

www.alwatanvoice.com

من منا لم يقرا السمفونية الجنوبية الخامسة, لأحد أبرز أعمدتنا الأدبية في الشعر الحديث , نزار قباني الذي خطفته الموت منذ 12 سنة ,30 نيسان 1998 ,حيث ضرب موعدا مع القدر المحنوم ,رحل أمير الشعراء العرب في يوم ذكرى النكبة , بعد أكثر من ستة عقود على إغتصاب الأرض من طرف بني صهيون و ليلة عيد العمال .رحل عنا المعبر الرئيسى عن الفلسطيني المشرد , و أهل الجنوب من دارفور إلى قبائل موريتانيا على أرض ترتعد منها السحب و تخاف أن تسقي الكلا ,و عندما نكتب الجنوب, فإننا نعني كل ما هو على ضفاف المواجهة و المعاناة , و إبناء المقاومة .

سميتك الجنوب يا لابسا عباءة الحسين و شمس كربلاء يا شجر الورد الذي يحترف الفداء ,سميتك الجنوب يا سفن الصيد التي تحترف المقاومة.

رحل عنا المعبر الرئيسى عن الفلسطيني المشرد ,و العراقي المثخن جراحا, قتلا ,ودمارا بالجملة , و العامل المقهور من أرباب اللصوصية , و المرأة المحاصرة المردومة في زرداب , فأطلقها كالفراشة البيضاء , و كأنه عرف أن الحل الوحيد حتى لا تبقى المرآة مجرد ماكينة إنجاب , أن التنظيم العائلي و الحد من سرعة عداد السكان,, الذي يدور يصورة مهولة يكمن في حل واحد , التعليم و العمل للمرأة , و قد تنبأ رحمه الله بأعمال الريس بارليف(مبارك) و ما شابهه

فهل يكون القحط في نفوسنا إرثا أتانا من بني قحطان,,?لم يبقى في أمتنا معاوية و لا أبو سفيان !لم يبقى من يقول لا في وجه من تنازلوا !!عن بيتنا ..و خبزنا..و زيتنا..

نزار قباني كان الناطق الرسمي بإسم المواطن العربي , ضد الديكتاتورية و الوطن العربي المسحوق من زمرة غاصبة ألقت به في ديار الغربة.رحل عنا من كان له إحتراما للرأي العام, لا يوجد إلا لدى العمالقة ,حتى نعرف أن هذه القوة حين تنطلق من عقالها و تطالب بالإصلاح, يكشر النظام العربي عن أنيابه, و يريد إسماعنا لعلعة الرصاص , يا ألف مرحبا بالرصاص, إن كان سيعجل بسقوط الطغاة , و ينطلق لسان الأغلبية الصامتة من عقاله, لأنه عندما يخمد الرأي العام ,تعبث الإدارة الأمريكية بسيادة الشعوب, و لم ننتظر ترخيصا للنزول إلى الشوارع و التنديد بمبادرة وليام روجرز التي أرادت و لم تفلح في حزيران 1970, أي قبل وفاة خالد الذكر بثلاثة أشهر, إخراج مصر من بلدان الطوق و عزلها بسلام زائف مقابل إنسحاب من سيناء, يعوض بمزيد من إبتلاع الأرض الفلسطينية ,و لم يتأخر خالد الذكر في رفض المبادرة التي تخدم ا
العدو و تلغي war of attrition ,حرب الإستنزاف , و تعوضها بتمييع حقوقنا بما يسمى Shuttle diplomacy الديبلوماسية المكوكية .نعم الرأي العام العربي ,يكن لنزار قباني من الإحترام ما لم يتمتع به أي حاكم عربي , رأي عام لم يغمض له جفنا حين إعتل قلب شاعرنا , من هول ما شاهد من خيانات لأم القضايا .

قرى الجنوب دافعت بصدرها عن شرف الأرض و عن كرامة العروبةو حولها قبائل جبانة و أمة مفككة 

حينئذ أدخل إلى غرفة العناية الفائقة في أيلول 1997و إبتدأت مراسم رحلة الغياب الأبدي .نزار قباني أعظم و أكبر من رثاء في ذكرى وفاته الثانية عشر, و كأنها الأمس ,ليس لأنه واحد من أبرز فرسان العرب ,و لكن مات فيه الجسد و بقت الروح, لأنه غرس فينا مبدأ تخطى كل الخطوط الحمر التي رسمها الحاكم العربي , علمنا أن نبقى شهود على سنوات الإحباط و الإنهزام ,و نستخلص الدرس من التاريخ .و نذكر به الحاكم العربي.

سميتك الجنوب في مدن الموت التي تخاف أن تزرها الأمطار .

و ترتعش فرائص جنود العدو; لمجرد سماعهم أن الرياح آتية من الجنوب ,ربما تحمل بعض رؤوس السكود, ,إذا طال حصار شعب هانوى العرب , فلا بد من فك الحصار, و نجر العدو و أزلامه إلى خيمة الإستسلام . أو مزيد من الأسرى و لكن لسنا مع قتل الأسرى ,هذه ليست من شيم المقاومين ,هذه خصائص الجبناء الصهاينة .لذلك نحن نعشق نزار قباني, ليس هناك سحرا و لا هم يحزنون , كان يحلوا له أن يردد دائما , فهو بنفس القدر الذي يتجاهلنا فيه حكامنا كان يخالطبنا بلغة الحقيقة , و إذا إعترفوا بنا في مناورة لإسكاتنا ,على غرار إسكات كامل مروة ,و لكن الفرق إن ذلك مؤيد لحلف بغداد, و نحن مؤيدون للمقاومة و سيدها و كل الجنوب ومن يتحالف معه, و إنفجار غضب نزار قباني كان بابيات من قلم قلب عليل ...لم يبقى في حياتنا قصيدة ...ما فقدت عفافها في مضجع السلطان .

و إذا رفضت مضجع السلطان ,و قوة المال و ما شابه, تغتال من ضابط أمن الدولة, بأبشع الأساليب , و تصفى كما هو حال المغدورة الفنانة سوزان تميم, و التي أعيدت من محكمة النقض على إنظار محاكمة ثانية اليوم ,و إرجأت إلى الإربعاء القادم ,فالكل ينبغي أن يكون في خدمة الحاكم العربي و حاشية, أشعارنا, قصائدنا, معلقاتنا, مقالاتنا ,فنانينا,محامونا إلخ...سر الجماهير إخوتي في العروبة هذه التي بكت رحيل نزار قباني, أنه مرآة لها ,و لعذاباتها , و تكلم شعرا , صوت الذين لا صوت لهم ,قال شعره و مشى غير آبه بالأقزام , نعم الكثير منا لا صوت لهم, يحترقون, دون أن يستطيعوا التعبير, فكان الناطق بإسمهم , و أراحه الله عناء رؤية أبناء الشعب العراقي العظيم يعذبون, يغتالون, يهانون, نكالة لكل ما قدموه من سند لأم القضايا .نزار أخينا في العروبة و القومية و الكفاح و الحب, إستقطب المرأة بدقة إستقطاب المرأة لنفسها , فكان إنتحار شقيقته وصال و هي دون العشرين , لأنها منعت من الزواج الحقيقي, بمن تحب ,و ليس بهذه الزيجات المصطنعة, الكاذبة ,بإسم التقاليد , نعم هذا الجرح الغائر جعله يتمرد على من أراد كبح جماح الحب لدى المرأة و ردمها ,فكتب.... أبحث عن معتصم بالله...حتى ينقذ النساء من وحشية السبي..و من ألسنة النيران ..

و لو راجعتم مقالنا ,نشر على أعمدة صحيفتكم, بعنوان, قرينات رؤساؤنا لم ننتخبهم و لكن ...تلاحظون أننا نعير المرأة أكثر أهمية, لأن غيابها عن العمل النضالي يفقدنا التوازن .لندن ليست غريبة عن كاتب هذه الأسطر, فأقلعنا من الجنوب بإتجاه لندن , و قلت في نفسي, لماذا نتحمل كعشاق كرة القدم مصاحبة فريقنا ,و لا نتحول إلى هناك لندن أيلول 1997 , عشرون شهرا قبل وفاته , فهدأت من روعنا إبنته هدباء, من زواجه الأول ,بإمرأة دمشقية من آل بيرم ,حين قالت لنا أمام مستشفي القديس توماس ,,Saint Thomasإنها تهمس له في أذنه من وقت إلى آخر, لتخبره عن حجم مشاعر الحب من قرائه و محبيه عبر العالم الذين تحملوا المشاق من أجل الدعاء له بالشفاء, ثم ننصرف لنتمشى في بارك لان Park Lane ,المطل على حدائق الهايد بارك, حيث يحلو له رحمه الله أن يتمشى ببساطة و تواضع...فاطمة في هايد بارك 
....كنت أمشي معها في لندن باحثا عن يدها..عن خبزها..كانت معطفي في زمان العاصفة باحث عن قهوة تشربني..ليس عندي وطن غير عيون فاطمة…


كانت الأوامر صارمة من أطبائه أن لا يكثروا, لا الحديث معه, و لا الزيارات له , فإكتفينا بالرصيف , بينما أخ عزيز من الأقلام الفلسطينية بلندن , ناب عنا و عن الجماهيرالمكتظة , قال لي عند خروجه من المستشفي.... وجدت نزار قباني منتصب القامة ,عليه آثار السعادة, أما شاعرنا الفقيد محمود درويش , قال ردا عن سؤال ..أنا لم أختلف معه ,ففي القمة هناك متسع لأكثر من واحد , أما في القاع فالصراع على أشده بين الأقزام...لكن قلب نزار لم يتحمل الفراق من الشهيدة بلقيس ,من أجمل نساء العراق, ماتت تحت أنقاض السفارة العراقية في بيروت سنة 1973, حين إحتدم صراع المخابرات و حرب التفجير من هذه الجماعة التي تريد حكم العراق اليوم, بالتناوب , سنة و شيعة, دون فرق, وأرجوكم سيبوا إيران لحالها , إتركوا إيران لحالها, لأنها في ذلك الوقت كانت محكومة من الشاهنشاه و عملاء أمريكا .عندئذ تحطم شئ ما داخل قلب شاعرنا 

أنا مجنون بيروت ...و لن يستطع خطفها مني ...أو يغازلها أحسن منى...
ترددها كل الأمواج التي تلعب بفندق السان جورج ,كنت حينئذ أقطن بميناء الحصن, قلب بيروت ,و قلب العاصمة يهتز مخلفا ضحاياه ,و أشاهد بدء الدمار آت بسرعة جنونية, ساهم فيها كل العرب دون إستثناء و خاصة السعوديون و عملائهم , إما بالصمت و التفرج السلبي, إو إشعالها حتى وصلنا إلى الحرب الأهلية, فزج بالفلسطينيين فيما لا يعنيهم ,و إنخرطوا في المزيد من ضياع قضيتهم, و هذه من الأعمال الشيطانية أدت بهم إلى باخرة التشرد ثانية , راجع مقالنا بتاريخ 31.12.08 تحت عنوان, لن تكون هناك باخرة لترحيلكم ثالث مرة .نزار قباني سيبقى كما كان أبو الطيب المتنبي لسيف الدولة .الآن و أنت بعيد عن محراب الحرية واستمنستر,Westminster مقارنة بما لدينا من نواب لصوص, يطالبون إطلاق الرصاص علينا ,و البقية تغط في النوم , اليوم أنت بعيد عن هايد بارك كورنر , حيث تتسابق الحناجر من كل صوب و حدب ,رجعت أيها الشاعر الكبير إلى الرحم الذي أهداك أبجدية الياسمين , رجعت رجوع الطائر إلى وكره و الطفل إلى صدر أمه .رحم الله زعيم جبهة الرفض للتطبيع مع العدو الصهيوني ..

رفضنا أن نفاوض الذئب و أن نمد كفنا لعاهرة أمريكا...ضد ثقافات البشر ..بناية عملاقة ليست لها حيطان...

و كأنه تنبأ بحالة ماما أمريكا, و ما أصابها من أزمة إفلاس بنوك ,و إنهيار كبرى الشركات, و تسريح العمال بالآلاف و المليارات التي ربحتها المصارف بالتلاعب بمصائر الطبقة الكادحة .فقيدنا العزيز في ذكرى وفاتك الثانية عشر, لماذا حملت قلبك, كما حمل خالد الذكر قلبه هموم العرب أكثر مما يتحمل البشر, فأنت الذي علمتنا أن لا نحمل المباخر للحكام , و أن نتمرد على ردائتهم..و سنواصل التمرد .

أبحث عن رجال آخر الزمان..فلا أرى إلا قططا مذعورة...تخشى من أرواحها...من سلطة الفئران...هؤلاء القطط المذعورة لن تستحق أن نهديها, السمفونية الجنوبية الخامسة . بل هي مخصصة لأبناء المقاومة و شهدائها و ذويهم.

تصبحون على خير


إبن الجنوب


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق